1. كيف يكون العفو والتسامح , العفو عند المقدرة , صفات المؤمنين
    كيف يكون العفو والتسامح , العفو عند المقدرة , صفات المؤمنين
    كيف يكون العفو والتسامح , العفو عند المقدرة , صفات المؤمنين

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    نرحب بكم معنا فى منتدى اذاعة حب ارض الحصريات


    do.gif
    ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ


    الانتصار على جميع الأصعدة له لذةٌ لا يعدلها شيءٌ، وإن كان بعضها أعلى مقامًا من بعضٍ، وكلما كان مستوى التحديات كبيرًا، فإن الانتصار يكون أعظم لذةً، فلا يقتصر الانتصار على أرض المعركة أمام الأعداء، بل الأهم من ذلك الانتصار على العدو الباطني؛ أعني نفسك التي بين جنبيك.


    فمن أنواع الانتصار عليها:

    الانتصار عليها عند الاستجابة لداعي الله، الانتصار عليها في شهواتها، الانتصار عليها في ترك الانتقام، الانتصار عليها في دوام الدعة والكسل.

    مما لا مماراة فيه أن النفس من طبيعتها حبُّ الكسل والترف، واللعب والترفيه، وتكره القيودَ والحدود؛ وسر ذلك ما تجده النفس في ذلك من لذةٍ وعدم جهد؛ فهي تحب أن تكون أميرةً آمرةً، وقائدةً مطاعة، ولا شك أن كثيرًا مما تحبه النفس لذة، ولكنها لذةٌ مؤقتة تتحول بعدها إلى ذلةٍ وضنكٍ، فالمعاصي فيها لذةٌ، ولكنها وقتيةٌ سرعان ما تزول، فإن أكثرت منها وجدت نفسك عبدًا في عنقه العصا وفي يده الغل، وخلافُ تلك الأفعال ومخالفة النفس فيها شيء من الجهد والعمل، ولكن لذتها طويلة الأجل، جميلة الوقْع، حقيقية الأصل، فالنفس عدو مبطنٌ، عدو في ثياب صديقٍ، فمتى خالفتْها في أغلب ما تحب، وجدتَ لذة الانتصار، دعاك منادي الله: "الصلاة خيرٌ من النوم" وأنت في لذة الفراش، نفسك تدعوك للخلود وإكمال النوم المثير، وربك يدْعوك لما يُحيِيك! وأنت بين لذةٍ مؤقتة وبين لذةٍ دائمةٍ، ومكافأةٍ عالية، نفْسُك تدعوك للذةٍ واحدةٍ مزيفة، وربُّك يدعوك للجمع بين فضيلتين: لذة الانتصار والمناجاة للملِك، والعود إلى الفراش بما غنمتَ على ما عهدت من الدفء والراحة، فأيهما تريد؟!


    قد تسمع كلمةً جارحةً من رجلٍ لا خلاق له، وقد يمر بك موقفٌ من شخصٍ أغضبك واسودَّ وجهك منه واكفهر، رأيت منه ما جعلك تتقطع غيظًا وحنقًا، وكم كنت تتمنى أن تظفر به يومًا من الدهر، ثم تأتي به الأيام إليك لتأخذ ما يشفي نفسك، فيا تُرى ما ترى فيما ترى؟! هل تروي غليلك وعليلك؛ فتنتقم؟ أم تخالف نفسك وتفوز بلذة الانتصار عليها في كظْم غيظك استجابةً لربك؟!

    صحيحٌ أن الانتقام ثمنٌ عاجلٌ مقدمٌ لكنه زهيدٌ، لا يساوي شيئًا مقابل آجلٍ عند الله لا يُعد ولا يُحد..

    هكذا الأكابر لا يشُكُّون في شخصهم وفضلهم، ووعْد ربهم لهم، يقدمون الآجل على العاجل، والباقي على الفاني، ويعرفون أن هناك لذتين، فيطلبون العلية على الدنية.

    إننا حينما ننتظر الدوائر ونتربص بمن أساؤوا لنا، لا نستمتع بحياتنا كما ينبغي حتى نشفي غيظنا، وقد لا يكون ذلك فتذهب أعمارنا، ولو عفونا وصفحْنا، لكان خيرًا لنا.

    إن لذة الانتصار على النفس في مسامحة الآخرين تعدل لذة الملوك في انتصارهم على أعتى خصومهم.. ولكنها تحتاج إلى قوةٍ إيمانيةٍ تسيطر على الهوى الشيطاني: ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35].

    لذلك أذكر لك:

    لما كانت غزوة أحدٍ كان ممن قُتل فيها حمزة بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - أسد الله، عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخوه من الرضاعة، فلما انتهت المعركة جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته يتفقد القتلى، فرأى ذلك الجسد الطاهر الحبيب المحبب قد شُق صدرُه، وأُخرجت كبدُه في قتلةٍ موجعةٍ، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - على أولئك القوم؛ يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار، ثم يسيئون إليه في عمه؛ فيبقرون بطنه، فحلَف النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يَقتُل من الكفار بعمه حمزة ثلاثين رجلاً، فلما ظفر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقريش في فتح مكة، جيء بهم إليه - صلى الله عليه وسلم - وقد تذكروا حلفه وهم ينظرون من طرفٍ خفي، فسألهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما ترون أني فاعلٌ بكم؟)) وقد أضمر العفو عنهم؛ لكن أراد أن يسمع قولهم، قالوا: أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريمٍ، فسامحهم - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)).

    وأذكر لك أيضًا:

    إمام السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبلٍ - رحمه الله - ضربه الخليفة المعتصم ضربًا حتى خلع يده، وكان المعتصم يَحضر الجلْد، فيأمر الجلاد أن يضربه بعنفٍ، فكان الجلاد إذا رفع سوطه ليضرب الإمام، قال له المعتصم: شُد قُطِعتْ يدك، فلا يجد الجلاد مجالاً لأن يرأف بالإمام أحمد، حتى إن رأس السوط ليلامس الأرض من خلفه ثم يهوي به عليه، وبعد أن أخذ الدهر من المعتصم عرشَه، وسلَّمه إلى قبره، وخرج الإمام أحمد بعد سنين من الضرب والسجن والتعذيب، حتى إن ابنه صالحًا يقول: قال لي أبي - أي: الإمام أحمد -: "كان عقلي معي إلى ثمانيةٍ وثلاثين سوطًا، ثم بعدها لم أدرِ أين كنت، قد ذهب عقلي"، مع هذا التعذيب الذي يثير الحقد والبغض حتى الحشر، كان الإمام أحمد يبكي في بعض الليالي، فيُسأل عن سر بكائه، فيقول: تذكرت ضرب المعتصم إياي، وقرأت قول الله - تعالى -: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40]، فسجدت وأحللته من ضربي في السجود، ثم قال لمن سأله: العفو أفضل، وما ينفعك أن يعذَّب أخوك بسببك، ولكن تعفو وتصفح عنه، فيغفر الله لك كما وعدك؛ اهـ.



    (من كتاب "ولكن سعداء.." للكاتب أ. محمد بن سعد الفصّام).

     
  2. جاري تحميل الصفحة...